نشرت جريدة الخبر، على الصفحة الثانية من عددها الصادر اليوم (5/10/2015) مقالا تحت عنوان “خنشلة احتضنت لقاء سريا لتحضير أرضية حزب مزراڨ”، تروي فيه والعهدة على الراوي، أنها علمت من “مصدر مطلّع” بانعقاد اجتماع “سرّي” بمنزل أحد أنصار الحزب المحلّ في ماسكولا (خنشلا)، قبل الذكر العاشرة لمبادرة “المصالحة الوطنية” التقى فيه ممثّلو ولايات الشرق، وخرجو بمجموعة من النصوص التنظيمية وتعيينات للأمناء الولائيين، وتدارسو ملفّ تأسيس الحزب بأفراد ذوي ماض سياسي خال من المتابعات القضائية، مزراڨ كان غائبا لأسباب “أمنية” تقول الخبر…
سأكون أكثر من متشكك، وأرمي بما قرأت في الخبر اليوم عرض الحائط، وأغض الطرف عن حجّ السلفية إلى إحدى البلديات منذ شهر لمدة يومين تباعا، بشكل أثار استغراب ساكنتها، وأقطع النظر عن معرفتي الشخصية ببعض الأفراد المتبجحين بكون “الفيس” سيعود من بلاد إيشاويّن .. بل سأكذّب عيني وأنفي كلّ ما رأيت من تحرّكات المنتسبين إلى التيار السلفي في مدينتي، وولايتي ومنطقتي، وأقول أنّ جريدة الخبر تهوّل الأمور.
حتى وإن قمت بكلّ هذا، لا يمكنني أن أنفي أن نسبة البطالة في ماسكولا هي واحدة من بين أعلى النسب على المستوى الوطني، وأن الجريمة متفشّية إلى درجة لا يأمن فيها الفرد على ممتلكاته وروحه في بيته، وأن الفقر المدقع لم يعد يجد مكانا إلّا بين أظهر الساكنة الماسكوليين، وأنّ نسب النجاح في شهادات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، هي الأخفض هنا، وأنّ نسبة التسرب المدرسي هي الأعلى، وأنّ المشهد الثقافي، وإن كان من المبالغ فيه القول بوجود مشهد ثقافي أصلا هنا، تسيطر عليه إن وجد مجموعات من مستلفي العقول المسبحين بحمد بوتفليقة وبومدين، الداعمين لحزب الفيس أيام الفيس، والمعادين لكلّ ما للثقافة في الولاية من حظ. وأنّ المشهد السياسي، سخيف هلامي، استحماري بالدرجة الأولى، تسوده الشيتة كإيديولوجية أصيلة أصلية وتسيطر عليه القبلية يحكمها فارغو الرؤوس الذين لا يعلمون من الدّنيا غير مصالحهم الضيقة التي يقضون على حساب دماء ودموع أبناء قبائلهم، وأنّ الشباب في ولايتي لا يجدُ أين يذهب، ولا ما يفعل، فلا بنى تحتية هنا ولا محلّات تسلية ولا رياضة ولا موسيقى ولا سينما ولا مسرح ولا مجتمع مدني، ولا عمّار بوزور.
لا يمكنكَ أنت الآخر، عزيزي القارئ، أيّا كنت وأيا كانت إيديولوجيتك أن تنكر أن مدني مزراڨ كان قائد المنظمة الإرهابية التي عرفت بـ”الجيش الإسلامي للانقاذ” التي جرّت البلاد في صراعها ولوبيات الحكم من أجل السلطة، بالسلاح، إلى عشرية دموية قتل فيها الرجال والنساء والشيوخ والعجائز والأطفال، كما لا يمكنك أن تنفي أن الحركات الإرهابية، الإسلاموية* خاصّة من قبيل المنظمة التي قادها هذا الإرهابي “السابق”، إنّما يموت في صفوفها، ويقتُل الناسَ، الجهلاءُ الضائعون الفاسدون الباحثون عن توبة سريعة. وأنّ انتشارات هذه الحركات إنما تتبع أثر الفقر والجهل أينما كان، وتصوّر للعامة المتعبة القابعة في انتظار الفرج، المهديّ المنتظر، أنّها مهديّها وأن الفرج على يدها. كما لا يمكنك أن تنكر أن الجوع كافر، وأن الفقر مفسد، وأنّهما إذا ما اجتمعا مع الجهل، المتفشي في أبناء منطقتي، والحمية والحماس والشجاعة والإقدام المتهور، المعروف في شبابها، كان قنبلة إذا ما انفجرت، قرأنا جميعا الفاتحة على أرواحنا وأموالنا وآمالنا وأوطاننا…
اليوم، وبعد أن أصبح الإرهابي تائبا، مدوّنا للدستور، تروّج له الفضائيات، وتضعه وسائل الإعلام، في مصاف الشخصيات الوطنية؛ ها قد عاد إلى النشاط كأن لم يكن شيء، يسير بمنهجية، أكثر من محكمة، فاختياره لخنشلة، لم يكن اعتباطيا، ولا لوجيستيا ولا إحصائيا. مزراق يعلم جيّدا أن ولاية خنشلة، وبلاد إيشاويّن كلها كانت آمنة، نسبيا، سنوات التسعينات، وأنّ رجالها “بالأمس” حموها من بطش الإرهاب، ورفضو أن يكونو شركاء في محفل التضحية بأبناء الوطن من أجل السلطة، وعليه فإن التجربة كانت أقل دراماتيكية بالنسبة لهم من مناطق أخرى، وأن الولاية دون سائر ولايات البلاد، أرضية خصبة لانتشار الفكر الظلامي الذي يقوده، تتوفّر فيها كلّ الظروف الحاضنة لبيكتيريا الحركات الإرهابية…
ولهذا أتى!
من ماسكولا خرج ماسينيسا، البطل بالأمس، ومن ماسكولا سيخرج من طينة ماسينيسا اليوم، رجال بشجاعته وحنكته، لكنّهم سيكونون في صفوف الإرهابيين الظلاميين، ليموتو، مغرّرا بهم، ويقتلو إخوانهم من أجل كذبة اسمها “إقامة الشريعة”. كلنا نعلم أنّ هذه الإيدلوجية الدوغمائية، أقصد وهم إقامة الدولة الإسلامية المزعومة، التي جرّت البلاد إلى قرابة الربع قرن من الدم، تقتات على قلة حيلة الشعب واندفاعه، وتعتاش على حماس الشباب وغضبه .. للأسف! كلّ ما قالت “الخبر” صحيح، فمزراڨ الذي سبق وأخبر في أكثر من مرّة أن “الجماعة في خنشلة” كانو دعامة للجماعة فيما سبق، يعلم جيّدا أين يكمن الداء، ومن أين تؤكل الكتف، لقد دخل كما حاول “رشيد نكّاز” قبله البيت من بابه، بابه المنسي المغبرّ الصدئ الذي أهمل لأكثر من 50 سنة، وحرم من أدنى الحقوق، ليكون اليوم، وأرجو العكس، صندوق باندورا الذي سيقضي على ما تبقى لهذا الشعب من أمل في الأمان.
فلتندبو حظكم حين يستحيل الشاوي إلى إرهابي، فكما أرهب فرنسا، سيغرق “دزاير” في دمائها، إلّا أن تتوبوا…