إنطباعات حول مهرجان المسرح الأمازيغي بـ”هباثنت”
طوال أسبوع، عجّ “المسرح الجهوي – باتنة” بالفرق المشاركة في منافسة الطبعة الثامنة لمهرجان المسرح الأمازيغي. الطبعة التي جاءت متقشّفة على حدّ التعبير الرّسمي، لتقليص الميزانيات الذي طالَ “كلّ شيء” كما يصرّح الرّسميون، لكنّه بالتأكيد؛ وهذا أمر واقع: مسّ مناطق بقدر أكبر من غيرها.
رغم “التقشّف” إلّا أنّ إحدى النقط الإيجابيّة التي تحسب للمنظّمين، كانت السّير الحسن. ليست من عادتي أن أشيد بشيء، خاصّة إذا كان حدثا رسميّا، لأنْ لا شيء في الرّسميّة يعجبني؛ لكنْ عدى بعض النقائص التي يمكن استدراكها، تمكّن المنظّمون من بسط سيطرتهم، وتسيير المهرجان بشكل جدّ مقبول، فغابت لحسن الحظّ الهفوات والكوارث التنظيميّة التي عادة ما نشهدها في المحافل الثقافية ببلاد إيشاويّن، أيّا كان منظّموها.
العروض المشاركة، لم تكن حقيقة في المستوى المطلوب بتظاهرة “وطنيّة”، وهذا ما يبرّره مسؤول العلاقات في المهرجان “علي جبارة” بعزوف المسارح الجهويّة عن المشاركة، لكونهم “لا يشعرون أنهم معنيّون بالأمازيغية”. وحادثة المسرح الجهوي “قالمة”، ليست ببعيدة.
بعيدا عن “التبرير” يبقى أنّ التقشّف الحقيقي، لم يكن ماليّا بقدر ما كان رسميّا، وإلّا كيف يمكن أن نفسّر غياب المسارح الجهويّة؟ وغياب الوزير حتى عن الافتتاح؟ وغياب مسؤولي القطاع المتجمّعين في العاصمة؟ إلّا إذا كان “المهرجان” الوطنيّ غير مشمول بالاهتمام الوزاري .. كالعادة !.
لجنة التحكيم، التي تكوّنت من كوادر في مجالات مختلفة، خيبت حقيقة أملي بمنح جوائز لفرق لا تستحقّها، وحرمان فرق أخرى كان يجب أن تحوزها، وهو ما لاحظه غيري، وأثار حفيظة الكثيرين …
نقطة سوداءٌ أخرى سجّلتها فنادق مدينة “هباثنت” (باتنة) خلال المهرجان، الّتي عجزت عن استيعاب المشاركين في التظاهرة، لا كمّا بل نوعا؛ وآخر هفواتها كانت امتناع مسيّري أحد الفنادق عن تقديم وجبة الغداء للمقيمين به، المشاركين في التظاهرة، بحجّة : “صلاة الجمعة !”.
ورغم السّير السلس للتظاهرة إلّا أنّ جوّا مشحونا ساد هامشها، صنعهُ بعض من المحسوبين على “الحراك” الأمازيغي في بلاد إيشاويّن حول الطبعة، لأسباب تبقى مجهولة، أو ربّما بعض أسباب هذا أنّ محافظ الطبعة واحد من “أمازيغيي” بلاد إيشاويّن، لذلك توقّعوا أن يضع “المهرجان” بين أيديهم، وينصّبهم كـ”آكلي خبز” رسميين خلاله، وهذا انطباعي الشّخصيّ، لكنّ تخلّفه عن محاباتهم، لأنَّ أغلبهم لا يملك ما يمكن تقديمه، وهو الواقع، جعلهم يضعونه و”مهرجانه” كشارة تدريب على الرّماية.
ولأنّ فعاليّات ومحتوى وسياق المهرجان تقع في منطقة تقاطع بين “النضال” و”الثقافة الرسميّة” كنت أتوقّع أن أجدَ تعاونا ما بين مختلف فعاليّات المجتمع المدنيّ “الباتني”، على الأقلّ حتّى لا أكون طمّاعا وأقول “الشّاوي”. لكنّ الواقع، أنّ الحدثَ لم يستهو أيّا من “جمعياتنا” الكثيرة، لسبب وحيد هو : أنّ التظاهرة “مافيهاش الباي” (لم تكن فرصة لاقتناص المكاسب الماديّة).
ويبقى هذا أحد أكبر العوائق الّتي تقف في طريق النشاط الهويّاتي في بلاد إيشاويّن، فبينما تنعدم تقريبا “الجمعيات المستقلّة” يصرّ الكثير من الفاعلين في جمعيّات غير مستقلّة على استعمال معايير شخصيّة ومناطقيّة وقبليّة في إطلاق الأحكام أو التعامل حتّى، وهو ما تعرّضتُ له شخصيّا خلال المهرجان.
عموما ؛ أنّ الطبعة الثامنة بالغلاف الماليّ الّذي منحت إيّاه، كانت ناجحة إلى حدّ كبير تنظيميّا، لكنْ يبقى القانون الأساسي للتظاهرة عائقا هائلا أمام تطوّرها، أو تحديثها، هذا دون الحديث عن حرب التقشّف القادمة، بمعايير أقسى من الحاليّة، في انتظار أهواء المسؤولين في الوزارة، وعلى رأسهم الوزير حول مهرجان “الأغنيّة” الشاوية “القادم” الغائب، والّذي يُتوَقع أن يتمّ إلغاؤه وإعادة تنصيبه، وهذا ما يسعى إليه عدد من نشطاء الحراك الأمازيغي في بلاد إيشاويّن.
خلاصة القول: أن الثقافة لا تنفصل عن الاقتصاد ولا عن العقليّة الجمعيّة للشعب، وبما أنّ لا تنميّة في بلاد إيشاويّن، لا تتوقّعوا أبدا أن تكون الثقافة ثقافة.
ڨاسمي فؤاد